خطر الاقتصاد العسكري المصري
خطر الاقتصاد العسكري المصري
09 كانون الأول/ديسمبر 2020
يزيد صايغ

تُسلّط مجموعة مقالات جديدة الضوء على العواقب السلبية لانخراط المؤسسة العسكرية المصرية المُكثف في الاقتصاد: توقّف النمو الاقتصادي، وظهور طبقة حاكمة جديدة من الضباط العسكريين، وعدم وجود الحافز الكافي لسنّ إصلاحات لازمة.



توضّح مجموعة مقالات جديدة صادرة عن مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط انخراط القوّات المسلّحة المصرية في الاقتصاد. أدّى هذا التدخل إلى ظهور نموذج جديد من رأسمالية الدولة المصرية. فقد سعت الدولة، مدفوعة بالاشتراكية العربية في ستينيات القرن الماضي، والخصخصة في التسعينيات، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى تطويع القطاع الخاص إلى استراتيجيتها الاستثمارية الرأسمالية فيما تستمر في إعلان التزامها الرسمي باقتصاد السوق الحر. تدّعي المؤسسة العسكرية أنها توظف 5 ملايين شخص، لكن جميعهم تقريبًا يعملون في الواقع لدى مقاولين فرعيين من القطاع الخاص يقومون على مشاريع مُموّلة من القطاع العام تُديرها هيئات عسكرية. قد يساعد نهج السيسي في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة المالية العامة، لكنه يعزز أيضًا قبضة الدولة المصرية بدلًا من توطيد اقتصاد السوق الحر.

رأس حربة فظّة

يعتبر هذا النهج متهور وقصير النظر. إن تدخل الحكومة في العديد من القطاعات الاقتصادية واسع الانتشار لدرجة أنه يحدد الناتج فعليًا، على الرغم من أن هذه القطاعات هي رسميًا في أيدي صانعي القرار من القطاع الخاص. إنّ القيمة الصافية للشركات العسكرية وللإنتاج العسكري من السلع والخدمات أقل بكثير مما يصفها كثيرون، لكنها أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وما زاد الطين بلّة، هو أن نهج السيسي لا يعكس استراتيجية مُتكاملة، بل تصميمًا على توليد رأس المال باستخدام السُلطة المركّزة للدولة والمؤسسة العسكرية كرأس حربة لها.

 

يتمثل الخطر الرئيس لهذا النهج في إخضاع القطاع الخاص. إن الدولة هي المُستثمر الوحيد في البُنية التحتية العامة ومصدر حصة كبيرة من إجمالي أعمال القطاع الخاص، خاصة بالنسبة للشركات الكبيرة والمتوسطة. فقد أدّى الارتفاع الضخم في الإنفاق العام على الإسكان والبُنية التحتية منذ أواخر عام 2013 إلى تضخيم مركزية الروابط السياسية والمحسوبية، كما أدى ضعف إنفاذ العقود والمخاوف بشأن الامتيازات الضريبية للقوّات المسلّحة إلى ثني الشركات الأجنبية عن الاستثمار في مصر. تسعى إدارة السيسي وراء استثمارات القطاع الخاص، ولكن بحسب شروطها هي فقط، فهذه الإدارة ترى أن توليد الدخل وتوفير السلع لفئات مجتمعية مختارة هو ذات أهمية سياسية كبرى.

 

حاولت إدارة السيسي أيضًا تحويل جزء من عبء نهجها إلى مستثمري القطاع الخاص. فقد خفضت الحكومة بشكل كبير الإنفاق على دعم الطاقة والغذاء وأجور القطاع العام، ووافق مجلس النواب على بيع الشركات المملوكة للدولة التي تتعرض إلى خسائر تزيد على نصف رأس مالها. وارتفعت نسبة الدَين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 90.3 في المئة بحلول حزيران/يونيو 2019 والدَين الخارجي إلى 112.7 مليار دولار بحلول كانون الأول/ديسمبر. ثم أدّت المخاوف بشأن جدوى مشاريع البنية التحتية التي تقودها الدولة إلى انسحاب شركات إماراتية كبرى، وتعليق قرض صيني بقيمة 3 مليارات دولار،وفشل المحادثات بشأن استثمار صيني بقيمة 20 مليار دولار. فاضطرت المؤسسة العسكرية والرئاسة إلى إقناع وحتى إكراه بعض المستثمرين العقاريين الأكثر شهرة في البلاد من القطاع الخاص على الاستملاك في العاصمة الجديدة التي تقع شرق القاهرة وتبلغ تكلفتها 58 مليار دولار.

تداعيات مُقلِقة 

إن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر "بطيء" ومتراجع نتيجة لهذا النموذج الجديد من رأسمالية الدولة المصرية. هناك إمكانية أن تتحرك مصر تدريجيًا وبشكل متقطع، وحتى عن غير قصد، نحو تقليل سيطرة الدولة على الاقتصاد، ولكن كما توضح مجموعة مقالات الجديدة الصادرة عن مركز كارنيغي، لن يكون هذا طريقًا سهلًا. يلّخص المقال الأول النموذج الجديد من رأسمالية الدولة في مصر، مع التطوير العقاري بقيادة المؤسسة العسكرية والانخراط في القطاع الخاص واستخدام استثمارات القطاع الخاص لإعادة رسملة القطاع العام. ثم تبيّن بسمة المومني كيف أن انخراط المؤسسة العسكرية في الاقتصاد ساهم في ضعف الأداء في التنمية، وتوضح شانا مارشال كيف أن طبقة حاكمة جديدة من الضباط العسكريين آخذة في الازدياد. ويوضح جورج العبد كيف كان استكمال مصر لبرنامج صندوق النقد الدولي في عام 2016 أمرًا سطحيًا، ويذكر إسحاق ديوان أسباب صعوبة أن تتمكّن القوّات المسلّحة المُنخرطة في السلطة والاقتصاد من تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحفيز النمو.

 

لا شيء يفعله السيسي يغيّر واقع ما وصفه تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2019 بشأن مصر بأنه "مشاكل مُزمنة من ضعف الحوكمة والبحث عن الريع ومخاطر الفساد والحضور المكثف للدولة في الاقتصاد." فمن دون حدوث تغيير جوهري في هيكلية المداخل والفرص الاقتصادية، سَيظل السيسي وكلُّ من يخلفهُ في الرئاسة عرضة بشكل دائم للبحث التنافسي عن الريع بين أجهزة الدولة التي تعتمد سُلطته عليها. 

 

يزيد صايغ زميل أول في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط ومدير برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية. وهو مؤلف "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري."



 
آخر التغريدات


تواصل معنا